السر العظيم
3
(ثورة الخرفان أو المعركة الأخيرة)
ملاحظة مهمة: أرجو من القراء الذين لم يقرءوا الأجزاء الأول والثاني من "السر العظيم" أن يطلعوا عليها قبل قراءة الجزء الثالث والأخير من هذه القصة. وأعتذر عن التأخير.
-1-
"أيها الاغبياء، ماذا جرى لكم، وانا الذي اتباهى بذكائكم ونباهتكم، كيف تتركون (وكبينلوب) يذهب الى أراضي قبيلة الزعيم بدون أن تخبروني أو تحاولوا منعه بأي وسيلة؟" قال الكبش الكبير مؤنباً باقي الخراف وهو يرتعد غضباً، فإكتفت باقي الخراف بالسكوت وهي تنظر الى الارض.
في تلك الاثناء كان (وكبينلوب) قد وصل أطراف قبيلة الزعيم وهو يدفع أمامه عربة فيها المولدة الكهربائية التي وجدها في المدينة داخل الكهف الكبير وخبأ في جيبه أحد الاسلحة التي قرأ عنها سابقاً ووجدها فيما بعد داخل الكهف أيضاً.
كان في نية (وكبينلوب) أن يلتقي الزعيم ويحاول إقناعه بالحقيقة وبأن ما يعبده هو وأفراد القبيلة لا يعدو أن يكون جهازاً كهربائياً إخترعه الاولون.
-2-
كانت ساحة القبيلة خالية من الناس في ذلك اليوم، فقد تم نقل الاله المكعب الكبير الى بيت زعيم القبيلة لغرض تلميعه وتنظيفه من الاتربة العالقة عليه.
كانت هذه الطقوس تقام في كل موسم من مواسم العام، وعندما يعاد وضع الإله المكعب في ساحة القبيلة، يخرج كل السكان من بيوتهم ويدورون حوله لساعات طويلة في انتظار بركاته وبركات زعيم القبيلة.
كانت الطقوس التي يقوم بها سكان القبيلة تزداد وتتطور بمرور الأعوام، وأحد هذه الطقوس كان يدعى "فاصو- باصو"، وقد ظهر هذا الطقس بعد نزول مبعوث الإله المكعب الكبير على زعيم القبيلة.
يقام طقس الـ"فاصو– باصو" كل عام في نفس اليوم الذي نزل فيه مبعوث الرب المكعب الكبير على الزعيم، ويقوم السكان بطبخ قدور كبيرة من الفاصولياء والبقوليات ويضعونها حول الإله المكعب الكبير ليلاً، وعند الصباح يجدون القدور فارغة بما يشبه المعجزة، أما من لا يجدون قدره فارغاً فيقومون برجمه بالحجارة والبطيخ وجوز الهند وأحياناً بالأناناس، رغم إن ذلك يعتمد على الموسم.
كان زعيم القبيلة يقول للسكان أنه رأى مبعوث الإله المكعب الكبير أكثر من مرة وهو يأكل من القدور في يوم الـ"فاصو– باصو".
كان سكان القبيلة يخافون الخروج من بيوتهم في يوم الـ "فاصو – باصو"، حيث كانوا يسمعون وهم في بيوتهم الكثير من الأصوات المدوية الغريبة خلال الليل، وقد أخبرهم زعيم القبيلة، أن هذه الأصوات هي علامات غضب الإله المكعب الكبير على الذين لا يأكل من قدورهم.
-3-
كان (وكبينلوب) قد أقترب من أراضي القبيلة، واستقبل الناس عودته بترحاب وفرح رغم استغرابهم الشديد من مظهر العربة والمولدة الكهربائية التي يدفعها أمامه، وظلوا يمشون خلفه حتى وصل إلى بيت زعيم القبيلة.
كان ذلك في يوم تلميع الإله المكعب الكبير، والذي يتم في بيت زعيم القبيلة، دخل (وكبينلوب) إلى بيت الزعيم، وكان الزعيم يقف في ساحة البيت الداخلية وهو يشرف على عمليات التلميع التي يقوم بها قلة منتخبة من أتباعه المقربين.
التفت الزعيم ليرى من القادم، حيث لم يكن من المسموح لسكان القبيلة أن يدخلوا ساحة الدار في أيام التلميع المقدسة، و فوجئ براعيه القديم (وكبينلوب) وهو يسلم عليه، لم يكن الزعيم قد رأى (وكبينلوب) منذ سنوات كثيرة، ولم يكن يتوقع عودته.
رحب الزعيم بعودة (وكبينلوب)، وأمر أتباعه الملمعين بمغادرة ساحة البيت لحين أن يستدعيهم ثانية ليكملوا عملهم وينالوا رضا الإله المكعب الكبير.
-4-
جلس زعيم القبيلة وأمر (وكبينلوب) بالجلوس أمامه، وبدأ الزعيم بسؤال ضيفه عن أحواله وما جرى له في سنوات الغربة في بلاد ما بعد البحر الكبير، وكان (وكبينلوب) يجيبه باقتضاب شديد وهو ينتظر بفارغ الصبر الفرصة الملائمة كي يخبر الزعيم بما جاء من أجله.
وبعد أن انتهى النقاش التقليدي وأجيبت الأسئلة التقليدية، قال (وكبينلوب): " اسمح لي يا سيدي الزعيم، لقد جئت لأحدثك بأمر مهم يخص مستقبل القبيلة..... ولكني أريد منك أن تعطيني الأمان...."
تململ الزعيم في مقعده ونظر إلى (وكبينلوب) بغموض، والتزم السكوت مفكراً لبضع لحظات، ثم قال:" أعطيك الأمان يا (وكبينلوب)، فقل ما جئت من أجله..."
(وكبينلوب):" جيد، أريد أن أريك شيئاً قد يثير اهتمامك...."
قام (وكبينلوب) من مقعده، واتجه إلى العربة التي جلبها معه والتي وضع عليها المولدة الكهربائية التي وجدها في الكهف الكبير، وقام بدفعها قرب الإله المكعب الكبير، وربط السلك المتدلي من الإله المكعب الكبير بالمولدة الكهربائية، ومن ثم شغل المولدة الكهربائية والتي أصدرت زئيراً لم يسمع له الزعيم مثيلاً من قبل، ففزع وانقلب مختبئاً خلف مقعده.
-5-
في خارج بيت الزعيم سمع حراسه ومرافقوه الزئير العجيب الذي صدر من داخل البيت ففروا راكضين مذعورين.
بينما في الساحة الداخلية للبيت، كان الزعيم ما يزال مختبئاً خلف مقعده، في نفس الوقت الذي يقوم فيه (وكبينلوب) بفحص الثلاجة من الداخل، ولحسن حظه أنها كانت ما تزال تعمل رغم أن عمرها ألآلاف السنين. فنادى على الزعيم قائلاً:" لا تخف يا سيدي، اخرج من مخبئك ، فها أنا أقف هنا ولم يحصل شيء"، فأطمئن الزعيم قليلاً ورفع رأسه من خلف مقعده بحذر وتردد شديدين، وسأل قائلاً:" ما هذا الذي حصل يا (وكبينلوب) ؟"....
فأجابه (وكبينلوب) : "هذا ما أريد أن أخبرك إياه... لقد عاش قبلنا على هذه الأرض أقوام أكثر تطوراً وعلماً، وقد كانوا يصنعون الكثير من الأدوات العجيبة لتسهل عليهم حياتهم، والإله المكعب الكبير ليس إلا أحد إختراعتهم..." ثم سكت (وكبينلوب) لبرهة وهو منشغل في ضبط درجة التبريد من خلال أحد الأزرار داخل الثلاجة.
فسأله الزعيم: "وماذا تفعل هذه الأداة العجيبة ؟"
(وكبينلوب) وهو ما يزال رفع درجة التبريد: " لقد كان الأولون يستعملون هذه الأداة لتبريد الشراب وحفظ الطعام داخلها كي لا يتلف، وهذا ما كان ابنك (نولكماليو) يحاول إخبارك به منذ بضعة سنوات".
فغر الزعيم فاهه وهو يحاول استيعاب ما يقوله له (وكبينلوب)، بينما كان الأخير يضع بعض قوارير المياه والعصير المخمر داخل الإله المكعب الكبير أو الثلاجة.
أقترب الزعيم من (وكبينلوب) وهو يراقب ما يفعله بفضول، ومن ثم سأله: "ماذا سيحصل الآن؟"..
أجابه (وكبينلوب): "لا شيء، لكنك ستحصل على مشروبات مبردة بعد قليل..."
-6-
تعجب الزعيم من الكيفية التي تعمل بها هذه الأداة العجيبة التي صنعها الأولون، و ازداد عجبه عندما شرب قدحاً من الماء البارد لأول مرة حياته.
وهنا قال (وكبينلوب): "هل اقتنعت الآن بما أقوله لك وبما أراد (نولكماليو) أن يقوله لك سابقاً؟".
أجابه الزعيم بعد صمت وتفكير وهو ما يزال ينظر بتعجب إلى قارورة المياه المثلجة في يده: " لا أعلم يا (وكبينلوب)، لكن أعطني أسبوعاً من الزمن لأفكر وأجد طريقة أخبر بها عموم القبيلة."
قال (وكبينلوب): "لك هذا يا زعيم، وفي هذا الوقت سأكون في كوخي القديم إن احتجت إلي".
-7-
كانت ليلة مليئة بالأرق بالنسبة للزعيم، فهو ما يزال يفكر بما أخبره به (وكبينلوب)، وقرر أن لا يخبر أحداً من سكان القبيلة بما علمه لأن ذلك سيزعزع مكانته بين أفراد القبيلة وقد يفقد كرسي الزعامة أو يقتله أحد الرعاع من عبدة الإله ذو العين البلورية ، ولكن تبقى مشكلة (وكبينلوب) فهو لن يسكت إن انتهى الأسبوع ولم يكشف الزعيم الحقيقة لسكان القبيلة، فقال الزعيم مع نفسه: " لابد أن أتخلص من (وكبينلوب) قبل أن ينتهي الأسبوع، وبدون أن أكون متورطاً بمقتله...."
فكر الزعيم كثيراً في خطة محكمة يتخلص بها من (وكبينلوب) وتقوى بها مكانته بين الرعية، وهداه تفكيره إلى أن يكلف أحد جواسيسه المتغلغلين في قبيلة الإله ذو العين البلورية بمهمة تصفية (وكبينلوب)، وبذلك تبتعد عنه الشكوك ويورط القبيلة الأخرى بمقتل (وكبينلوب) ويجد حجة مقنعة لسكان قبيلته بمهاجمة قبيلة الإله ذو العين البلورية، وهذه الحجة هي الانتقام من قتلة (وكبينلوب).
-8-
بعد بضعة أيام، كان الكبش الكبير أو القائد الأعلى لثورة الخرفان يناقش مع بعض أتباعه الخرفان الخرائط العسكرية للمنطقة ونقاط الضعف في التحصينات الدفاعية لقبيلة الزعيم وقبيلة (ندالنب)، وفيما كان الجميع مستغرقين في النقاش، دخل مسئول الاستخبارات الخروفونية إلى الحظيرة مسرعاً، وقال مخاطباً الكبش الكبير: " سيدي القائد، لقد عاد أحد جواسيسنا من أراضي قبيلة الإله ذو العين البلورية وهو يحمل أخباراً مؤكدة على إن (وكبينلوب) سيتعرض لمحاولة اغتيال هذه الليلة من قبل أحد جواسيس الزعيم والذي يعمل في الخفاء ضمن قبيلة (ندالنب)".
قال الكبش الكبير: " كنت أتوقع هذا أجلاً أم عاجلاً"، ثم سكت لبرهة مفكراً، ثم أضاف مخاطباً مسئول الاستخبارات الخروفونية : " أريد منك أن تجهز مجموعتين من قوات الخرفانكو الخاصة هذه الليلة، أحداها تعترض طريق هذا الجاسوس وتقتله ومن ثم تتخلص من جثته، والأخرى تختطف (وكبينلوب) وتجلبه إلى الحظيرة، هل هذا مفهوم؟"
فأجاب مسئول الاستخبارات الخروفونية: " علم، سيدي القائد". ثم قام بأخذ التحية وخرج مسرعاً من المقر العام لقيادة القوات الخروفونية المسلحة، أو الحظيرة.
-9-
كان الظلام دامساً في أراضي قبيلة الزعيم، وفي غياهب الظلمة كانت بعض الأشباح الغريبة تتحرك بسرعة وهي تستتر بعباءة الظلام، وتختفي أصوات تحركاتها السريعة تحت أصوات حفيف الأشجار من حولها.
كان (وكبينلوب) مستغرقاً بالنوم عندما أيقظه صوت هادئ يتحدث بلغة الأولين والذي لم يكن إلا صوت مسئول الاستخبارات الخروفونية والذي قرر قيادة هذه العملية شخصياً.
" إستيقظ يا سيد (وكبينلوب)....."
فتح (وكبينلوب) عينيه وهو يضن أنه يمر بحلم غريب، وقد زاد ذهولاً عندما نظر الى محدثه الغريب، فسأله: " من أنت وماذا تريد؟"
فأجابه الخروف: " لا تقلق، نحن أصدقاء، وستفهم كل شيء عندما تأتي معي، ويمكنك أن تحتفظ بالسلاح الذي تحتفظ به معك حتى تطمئن"
لم يشعر (وكبينلوب) بأي خوف من هذا الخروف الذي يتحدث لغة الأولين، رغم استغرابه من مما يحصل، فقرر أن يذهب معه، فقد تغلب فضوله على خوفه.
-10-
كان الكبش الكبير يقف في وسط الحظيرة وهو يدخن لفافة قش أخرى بقلق حين عادت قوات الخرفانكو الخاصة ومعهم (وكبينلوب)، فقال الكبش الكبير:" مرحباً بك يا (وكبينلوب)..."، ثم أضاف: " لا تتصور سعادتي بوجودك بيننا، تفضل بالجلوس.."
جلس (وكبينلوب) على كومة قش كبيرة وهو لا يصدق ما يحصل معه.
بدأ الكبش الكبير بإخباره بالمؤامرة التي كان زعيم القبيلة يخطط لها، وأخبره كذلك عن الحلم الخروفي الكبير بالسيطرة على الأرض وإعادة ونشر أمجاد وعلوم الأولين.
كان (وكبينلوب) يستمع باهتمام لما يقوله الكبش الكبير، و اتخذ قراره بالانضمام إلى ثورة الخرفان.
في الوقت الذي كان فيه (وكبينلوب) يتحدث إلى الكبش الكبير، كان مسئول الاستخبارات الخروفونية قد أرسل أحد أتباعه لكوخ (وكبينلوب) كي يضع رسالة أعطاه إياها ليضعها على فراش (وكبينلوب).
-11-
إستيقظ الزعيم وهو يتوقع أن يدق أحدهم بابه ليخبره بموت (وكبينلوب)، لكن هذا لم يحصل، فقام بإرسال أحد أتباعه بحجة أنه يريد لقاء (وكبينلوب).
عاد التابع لبيت الزعيم راكضاً وهو يحمل لفافة من الجلد بيده، فدخل وركع بين يدي الزعيم وهو يسلمه الرسالة. فتح الزعيم اللفافة الجلدية وبدأ بقراءتها، فتغيرت ألوان وجهه، وانتفخت عروق وجنتيه، وخرج مسرعاً إلى ساحة القبيلة، وكان كل من يراه من سكان القبيلة يتبعه إلى أن تجمع أكثر السكان في ساحة القبيلة.
صرخ الزعيم قائلاً: " يا أيها القوم، لقد اختطفت قبيلة (ندالنب) الكافرة بإلهتنا أحد أفراد قبيلتنا، لقد اختطفوا (وكبينلوب)" ثم صمت الزعيم للحظة، ثم أضاف: "بإسم الإله المكعب الكبير، أعلن الحرب على قبيلة (ندالنب)، وأخبركم بأن مبعوث الإله المقدس قد جاءني في ليلة الأمس، وأخبرني أن كل من يقتل أحد الكفار عبدة الإله ذو العين البلورية، له كأس من خمر الفواكه المثلج الذي يخرج من جوف الرب المكعب الكبير شخصياً".
وهنا أرتفع صوت المتجمهرين بالهتاف والتهليل، وذهب كل إلى بيته ليعد سلاحه وعدته استعداداً للحرب وطمعاً في المكافأة.
-12-
في الصباح الذي يسبق ليلة الـ "فاصو-باصو" قرر الزعيم أن يشن هجومه الكبير على قبيلة الإله ذو العين البلورية، فانطلق رجال القبيلة وعلى رأسهم الزعيم رغم إنه كان يسير في مؤخرة الجيش، وحين سأله محاربو القبيلة عن سبب ذلك أجابهم بأنه عند عودة الجيش من المعركة سيكون هو في المقدمة في هذه الحالة لأن رأس الجيش سيصبح مؤخرته وكانت هذه الإجابة مقنعة جداً لمحاربي القبيلة.
كانت المعركة شديدة الوطيس، تقاتلت فيها القبيلتين بكل ما أوتوا من قوة، وقتل الكثير من كلا الجانبين، ورغم إن قبيلة (ندالنب) قد علمت مسبقاً بأمر الهجوم، إلا إن تحصيناتهم الدفاعية لم تكن بالمستوى المطلوب لحماية القبيلة من الهجوم الكاسح الذي قاده الزعيم وهو يقف في مؤخرة جيشه.
كان النصر لقبيلة الزعيم في تلك المعركة التي استمرت لمدة عشرة ساعات متواصلة، وتمت تصفية كل سكان قبيلة (ندالنب)، وحرق إلهاهم ذو العين البلورية، أما (ندالنب) فلم يعثر له على أثر، وكذلك الحال طبعاً بالنسبة لـ(وكبينلوب).
-13-
كانت الخرفان تراقب ما يحصل من بعيد، وتبلغ الكبش الكبير بالتطورات القتالية أولاً بأول، وعند انتهاء المعركة بين القبيلتين، وعودة محاربي قبيلة الزعيم إلى أراضيها متعبة، قرر الكبش الكبير أن يعقد اجتماعاً في الحظيرة، وتقرر في ذلك الاجتماع أن عملية السيطرة على قبيلة الزعيم لابد أن تتم في هذه الليلة، ليلة الـ"فاصو-باصو"، حيث إن لا أحد يجرؤ على الخروج، وأغلب رجال القبيلة مجهدين من معركة النهار، مما يجعل نصر قوات الخرفان مؤكداً.
ذهب (وكبينلوب) إلى الكهف الكبير مع مجموعة من الخرفان كي يجلبوا الأسلحة التي وجدها سابقاً داخل الكهف كي يستعملونها في عملية "عاصفة الخرفان" والتي ستتم هذه الليلة.
بدأت قوات الخرفانكو الخاصة بالاستعداد والتحضر لعملية هذه الليلة، وكانت معنوياتهم عالية جداً، فقد جاء اليوم المنتظر، و اقتربت ساعة الانتصار الخرفوني الكبير.
-14-
كانت القبيلة قد أعدت قدور الـ"فاصو-باصو" ووضعتها حول الإله المكعب الكبير، وذهب الجميع إلى بيوتهم بعد غروب الشمس بقليل.
في تلك الإثناء بدأت الخرفان بالتحرك الحذر وهم يحملون أسلحة الأولين، وبدءوا بالانتشار التدريجي في طرقات القرية، ونصبوا السواتر الترابية، وأنتشر قناصة الخرفانكو على قمم الأشجار وبعض الأكواخ المحيطة بساحة القرية.
كان مسئول الاستخبارات الخروفونية ومعه مجموعة من قوات الخرفانكو الخاصة يتجهون إلى بيت زعيم القبيلة كي يعتقلوه ويجلبوه إلى مقر العمليات الخرفونية المؤقت والذي أقيم في كوخ (وكبينلوب).
اقتحمت قوات الخرفانكو بيت الزعيم، وقاموا بربطه وتكميمه ومن ثم نقله إلى المقر المؤقت حيث ينتظره (وكبينلوب) والكبش الكبير.
-15-
استيقظ سكان القبيلة في صباح اليوم التالي، كانت قدور الـ"فاصو-باصو" ما تزال على حالها، لكن هذا اليوم لن يرجم أي أحد من سكان القبيلة لأن مبعوث الإله لم يأكل من قدره. استغرب السكان من الانتشار الكبير للخرفان المسلحة، وحين حاول أحد محاربي القبيلة التعرض للخرفان، أردوه قتيلاً مما أفزع باقي سكان القبيلة، حيث أنهم لم يشاهدوا من قبل سلاحاً بهذه القوة وهذا الصوت المدوي.
تجمع سكان القبيلة في ساحة القرية، وأحاطت بهم الخرفان، ومن ثم جاء (وكبينلوب) برفقة الكبش الكبير، وبدأ الكبش الكبير بالحديث بينما يترجم (وكبينلوب) ما يقوله لباقي سكان القبيلة.
أخبرهم الكبش الكبير عن حقيقة إلههم، وكيف أن الزعيم كان يستغل سذاجتهم وبساطة تفكيرهم كي يبلغ مأربه الشخصية ويحافظ على امتيازات منصبه. وشرح لهم خطته الخروفية التي سترتقي بهذه القبيلة وتجعلها تصبح مدينة متطورة بفضل تقنيات الأولين. وأخبرهم أن كل كوخ من الأكواخ سيحصل على ثلاجة. أما مصير الزعيم، فهو قرار يعود لسكان القبيلة، ولهم أن يفعلوا به ما يشاءون.
فرح سكان القبيلة بهذا التغيير، وقرروا أن يذبحوا زعيم القبيلة كما كانت الخرفان تذبح من قبل.
-16-
بمرور الأيام والشهور بدأت الحضارة بالتقدم في أراضي القبيلة، وعاش السكان والخرفان في وفاق تام، وتقدمت الصناعة والتجارة، وكان الحكم مشتركاً بين الكبش الكبير و (وكبينلوب)، وكان حلمهم بالسيطرة على العالم يكبر في كل يوم يمر.
بعد بضعة سنوات قرر الكبش الكبير و (وكبينلوب) أن يرسلوا مجموعات من الخرفان والسكان كي يبدءوا حضارات جديدة في أماكن أخرى من الأرض. وكان على رأس هذه المجموعات خروفاً قوياً يدعى خنوم Khnum، والذي قاد مجموعة المهاجرين إلى أراضي ما بعد البحر الكبير، وأنشئوا حضارة كبيرة جداً وبنايات هرمية الشكل تناطح السحاب.
أما (ندالنب) فلم يره أحد منذ ذلك الحين، إلا إن بعض السكان تناقلوا قصة غريبة حول التقاء (ندالنب) بمبعوث الإلهة أو "سوبر مسلم" والذي تعود على الظهور في يوم الـ"فاصو-باصو"، وقام مبعوث الإلهة بأخذ (ندالنب) معه إلى زمانه، ليظهر (ندالنب) هناك ويستعمل اسمه معكوساً في مكان يدعى أفغانستان.
-17-
كان الكهف الكبير، حيث المدينة المنسية، يشهد تطوراً من نوع أخر في ظلماته اللامتناهية، كانت كائنات أخرى قد نجت من دمار حضارة الأولين، كائنات تعودت أن تقاوم كل الظروف وتجتاز كل العقبات التي قد توضع في طريق تطورها، كائنات تعودت على الظلام، وعاشت حياتها في ظلام. كانت هذه الكائنات قد تطورت أيضاً لتصبح أكبر حجماً وأذكى تفكيراً بمرور السنين.
في مكان ما داخل الكهف الكبير، كانت الصراصير قد اكتشفت سر القنبلة النووية، وبدأت بالتخطيط لتدمير العالم العلوي وبدء الحضارة الصرصورية.
مع تحياتي،
MHJ
هوامش:
- خنوم Khnum : أو (Khenmew, Khnemu, Khenmu, Chnum) وتعني بالمصرية القديمة الوحدة أو البناء، تم تصوير خنوم في النصوص المصرية القديمة بشكل إنسان له رأس كبش أو خروف كبير، وتم ذكره في النصوص المرتبطة ببناء الأهرام، أما في النصوص المصرية الأحدث فيذكر على أنه إله الماء و الخصوبة أو حامي منبع النيل.
http://nefertiti.iwebland.com/religion/khnum.htm
http://www.touregypt.net/featurestories/khnum.htm
- ظهرت الصراصير على كوكبنا قبل أن يظهر أول ديناصور بحوالي 55 مليون سنة، ويقدر عمر هذه الفصيلة الحشرية بحدود 315 مليون سنة. بالاستناد إلى الحفريات التي وجدت في الموقع المسمى "منجم 7-11" في ولاية أوهايو الأميركية فإن الصرصار القديم كان طوله يقارب العشر سنتمترات أي مرتين ونصف حجمه في يومنا هذا، إلا أن بعض أنواع الصراصير التي تعيش في المناطق الاستوائية ما تزال أحجامها تشابه الصرصار القديم. تعتبر الصراصير من أقدم الحشرات والكائنات التي عاشت على سطح الأرض، كما إنها تمتلك قابلية كبيرة على التطور السريع لتلاءم التغيرات التي تتعرض لها بيئتها، ولهذا حافظت فصيلتها على وجودها ولم تنقرض.
http://www.fossilmuseum.net/Fossil_Galleries/Insect_Galleries_by_Order/Blattodea_Cockroaches.htm
http://www.crystalinks.com/fossilcockroach.html