شيحة و الفيضان
أو
نوح السكران يرقص في الطوفان
لم يكن ذلك اليوم يختلف عن غيره من الأيام، ففي صباح ذلك اليوم أرسل "فشلوق" ربيبه "شيحة" كي يساهم في تنفيذ عملية "جهادية" مع مجموعة من "خيرة الشباب المسلمين" في شمال غرب إحدى الدول الإسلامية، حيث قامت المجموعة بقتل أربعة أجانب كفار ومن ثم لاذوا بالفرار بمساعدة "سوبر مسلم" والذي قام بعمل غطاء جوي لباقي المجموعة.
غالباً ما كان الأرق يصيب "شيحة" وخصوصاً في الليالي التي يكتمل فيها القمر، في مثل هذه الليالي كان "شيحة" يحاول النوم ولكنه لا يقدر ، فينتهي به المطاف أما مسافراً عبر الزمن أو مستعملاً أشعة نظره الخارقة والتي تخترق أي شي في مراقبة الناس من حوله.
في تلك الليلة كان "شيحة" يستعمل أشعة نظره الخارقة في مراقبة معلمه "فشلوق" وهو يطارح زوجته الجديدة الغرام، ورغم استمتاعه بالمشهد إلا أن ضميره كان يؤرقه بعض الشيء لفعله ذلك، فقرر أن يمنع نفسه من التجسس على معلمه بالقوة. نظر "شيحة" حوله في الغرفة محاولاً إيجاد شيء يضعه على عينيه ورأسه كي لا يستعمل أشعة نظره الخارقة فلم يجد إلا مزهرية من الورود البلاستيكية موضوعة على الطاولة أمامه، فلبسها على رأسه وغطى بها عينيه، ثم أمسك عصى وجدها قربه وقرر أن يضرب نفسه بالعصا على رأسه كلما استعمل أشعة نظره في مراقبة الناس أو التجسس على النساء.
ولكن جميع محاولات "شيحة" باءت بالفشل الذريع، فقرر أن يغادر في رحلة عبر الزمن ليرفه عن نفسه، فتحول إلى شخصيته الثانية "سوبر مسلم" وطار محلقاً في السماء وهو لا يرى ما حوله لأنه كان ما يزال يضع مزهرية الورود البلاستيكية على رأسه، فأخترق حاجز الزمان والمكان وهو لا يعلم وجهته. و فجأة ارتطم "سوبر مسلم" بجدار عظيم فحطمه وبدأت المياه تتدفق بشدة. قام "سوبر مسلم" برفع المزهرية عن رأسه قليلاً كي يرى نوع الكارثة التي تسبب بها.
نظر "سوبر مسلم" حوله فلم يستطع تمييز المكان الذي هبط فيه هذه المرة، فأرتفع في السماء محاولاً تحديد موقعه، فوجد أنه يطير فوق جبال الانديز في أمريكا الجنوبية وبالتحديد فوق بحيرة كبيرة تدعى "تيتيكاكا Titicaca"* تقع بين بيرو وبوليفيا. وكان "سوبر مسلم" قد اصطدم بجانب الجبل وحطمه مما تسبب بفيضان عظيم، وبدأت إحدى القرى في جانب الجبل بالغرق.
نزل "سوبر مسلم" مقترباً من الأرض فبدأ سكان القرية يسجدون له وينادونه مستنجدين: " فيرا كوجا ... فيرا كوجا**" ، فحزن "سوبر مسلم" لحالهم وقرر مساعدتهم، فأمسك بفتى وفتاة من أهل القرية وطار بهم كي يضعهم في مكان مرتفع حتى لا يغرقوا بالفيضان***، ومن ثم عاد كي ينقذ المزيد ولكنه وجد أن القرية قد غرقت بالكامل ولم يبقى أي أحد كي ينقذه.
عاد "سوبر مسلم" إلى حيث ترك الشخصين اللذين أنقذهما مسبقاً، وحين هبط قربهما، سجدوا له وهم ينادونه: "فيرا كوجا .... فيرا كوجا...." فأستغرب لذلك وتعجب، وطار مبتعداً وهو يحاول إيجاد طريق عودته إلى أرض العرب كي يرى تأثير ونتائج الفيضان الذي تسبب به على تلك المنطقة.
لم يكن الفيضان قد وصل أرض العرب بعد حين وصل "سوبر مسلم" إليها، وفيما كان يطير على ارتفاع منخفض لمح مشهداً غريباً في الأفق، كان بعض العبيد يعملون على صنع سفينة كبيرة بينما يقف على رأسهم رجلٌ تبدو عليه إمارات الغنى والتسلط. كان هذا الرجل يتنقل بين العبيد ويقوم بجلدهم بقوة مستعجلاً إياهم بكلمات نابية لم يسمع "سوبر مسلم" مثلها من قبل.
نزل "سوبر مسلم" إلى الأرض قرب الرجل الغني المتسلط، والذي أفزعه هبوط "سوبر مسلم" من السماء، فتوقف عن التلويح بسوطه، ونظر بفضول إلى "سوبر مسلم"، وسأله: "ما اسمك يا أيها الهابط من السماء؟" ، فأجابه سوبر مسلم : "أسمي شيحة...."، ثم أضاف سوبر مسلم : "وأنت من تكون؟؟؟"
فأجابه الرجل: "أنا مالك كل ما تراه حولك من عبيد و زرع وحيوانات ونبيذ ، وأسمي هو نوح......" ****
ذهل "سوبر مسلم" من هول المفاجأة، أيعقل أن يكون هذا الرجل الغني القاسي هو النبي نوح!!!!!... وفيما كان "سوبر مسلم" منشغلاً بأفكاره ، ذهب "نوح" يركض خلف أحد العبيد كي يجلده بالسوط لأنه أسقط بعض زجاجات النبيذ فيما كان ينقلها إلى المركب الكبير.
قرر "سوبر مسلم" أن يقضي بعض الوقت مع "نوح"، ويساعده في نقل أمواله وممتلكاته إلى السفينة فيما كان مستوى المياه يرتفع تدريجياً. صعد "نوح" مع ثمانية من أتباعه المقربين إلى السفينة تاركاً العبيد يستنجدون به وهم يغرقون ، أما من نجح من العبيد في التمسك بالسفينة،فقد كان "نوح" وأتباعه الثمانية يضربونهم على أيديهم بالعصي ويسقطونهم مرة ثانية في الماء.
بدأت الرحلة العجيبة، وقد كان "نوح" وجماعته يتوقفون ليلاً عند القرى التي لم تبلغها مياه الفيضان بعد، ويقومون بسرقة الحيوانات التي يقوم بتربيتها سكان هذه القرى لغرض التغذي على لحومها. وكان "سوبر مسلم" يساعد "نوح" وجماعته في ضرب سكان القرى و اصطياد حيواناتهم ونقلها إلى ظهر السفينة، و غالباً ما كان "سوبر مسلم" يحوم ويطير بشكل دائري خلف السفينة كي يولد تياراً هوائياً يدفع السفينة إلى الأمام ولذلك قرر "نوح" أن يسميه "حامِ" لأنه كثير الحوم والطيران.
في يوم من الأيام، لم يكن لدى "سوبر مسلم" أو "حامِ" ما يفعله، فقرر أن يعود إلى عادته القديمة في مراقبة الناس من حوله باستخدام أشعة نظره الخارقة.... في تلك الليلة كان "نوح" قد شرب الكثير من النبيذ وخلع ملابسه وبدأ يرقص عارياً على السفينة بينما كان "سوبر مسلم" يراقبه من بعيد*****، ولكن أحد أتباع "نوح" رأى "سوبر مسلم" وهو يفعل ذلك، فأخبر "نوح" بذلك.
غضب "نوح" كثيراً عندما علم أن "حامِ" كان يتجسس عليه وهو يرقص عارياً بعد شربه للكثير من النبيذ ، وأنه أخبر كل من على السفينة بذلك، فصرخ عليه ودعا الآلهة أن لا تبارك له ، وأمره بأن يترك السفينة و أن يرحل إلى المكان الذي أتى منه.
فطار "سوبر مسلم" عائداً إلى زمانه ومعلمه "فشلوق" وهو حزين لأن "نوح" غضب عليه و طرده من السفينة.
مع تحياتي
MHJ
* تيتيكاكا Titicaca : بحيرة كبيرة في جبال الانديز بأمريكا الجنوبية ، ترتفع عن سطح البحر 3812 متراً ، وهي أعلى المسطحات المائية في العالم والتي يمكن فيها الملاحة البحرية. تغذي الثلوج الذائبة على جبال الانديز هذه البحيرة بالمياه. يبلغ معدل مساحة سطحها 8372 كيلومتراً مربعاً ويتراوح عمقها بين 107 إلى 281 متراً.
** فيرا كوجا Viracocha : هو الإله الأعلى للإنكا والازتك القدماء ، رب السماء والشمس والقمر، رب الملائكة والشياطين، خالق الحضارة والروح.
*** تقول النصوص البيروفية القديمة أن فيرا كوجا قد دمر القرى المحيطة ببحيرة تيتيكاكا وقتل كل الذين يعيشون فيها بواسطة فيضان كبير سمي "اونو باجاكوتي Unu Pachakuti "، ولكنه أبقى على حياة اثنين من البشر كي يبدأوا الحضارة في كل العالم ، وكانت أسمائهم "مانكو كاباك Manco Capac" والذي يعني (الاساس الرائع Splendided Foundation ( و "ماما أكلو Mama Ocllo" والذي يعني اسمها (الأم الخصوبة Mother Fertility ) . والذين يعتبران والدي البشرية في الميثولوجيا البيروفية.
**** نوح: إستناداً إلى معظم المؤرخين و الأكاديميين في مجال اللغات فإن التوراة التي يعتبر أقدم كتاب ديني ذكر قصة نوح، و هو في الحقيقة عبارة عن مجموعة من المخطوطات كتبت من قبل العديد من الكتاب وليس من كاتب واحد أو مصدر واحد وإنها على الأغلب قد جمعت في القرن الخامس قبل الميلاد، ونتيجة الإختلاف في المصادر فإن التوراة يظهر شخصيتين متناقضتين لنوح فتارة نرى نوح كرجل زاهد قريبا من الخالق الأعظم الذي إختاره ليخلص البشرية من الدمار وتارة أخرى نرى التوراة يصف نوح كأول فلاح في البشرية وكان أول صانع للنبيذ ويرى بعض المحللين إن هذا التناقض في وصف الشخصية قد يكون معناه انه ربما حدث خطأ اثناء نقل الروايات وإن بطل قصة الطوفان قد يكون جد نوح وإسمه بالعبرية أينوخ وبالعربية إدريس وإن هناك إحتمالا ان التشابه في العبرية بين إسمي نوح و آينوخ قد يكون سببا رئيسيا في هذا التناقض.
من الجدير بالذكر أن شخصية نوح وقصته قد نقلت بالأغلب من ملحمة جلجامش السومرية ، والتي تعتبر أول نص من الناحية التاريخية يذكر فيها قصة الطوفان، حيث يحاول الملك جلجامش الوصول إلى سر الخلود عن طريق الإنسان الوحيد الذي وصل إلى تحقيق الخلود وكان اسمه أوتنابشتم والذي يعتبره البعض مشابها جدا أن لم يكن مطابقا لشخصية نوح في الأديان اليهودية و المسيحية و الإسلام. وعندما يجد جلجامش أوتنابشتم يبدأ الأخير بسرد قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة وقصة الطوفان هنا شبيهة جدا بقصة طوفان نوح، وقد نجى من الطوفان أوتنابشتم وزوجته فقط وقررت الآلهة منحهم الخلود.
***** إستناداً إلى المخطوطات التي كونت بمجملها التوراة ، فإن حام قد شاهد والده عارياً في يوم من الأيام عندما كان نوح سكراناً وقام بإخبار أخويه بذلك وعندما علم نوح بهذا فانه طلب من ربه أن لا يبارك سلالة حام (والتي هي حسب الأساطير شعوب إفريقيا ومصر).