1
لعل إحدى أكثر الالعاب شيوعاً في مقاهي العالم العربي هي لعبة الدومينو والتي يعود تاريخ أول ظهور لها الى حوالي 900 أو 1000 سنة خلت (في حوالي سنة 1120 م ) وكان ذلك في الصين بعد أن إنتقلت الى هناك من الهند. والاسم الغربي لللعبة Dominos مشتق من تشابه أحجار الدومينو المصنوعة من العاج أو عظام الحيوانات بالاقنعة الكرنفالية لمهرجان فيسنيا العريق والتي كانت في القديم بيضاء اللون و ترسم التفاصيل الدقيقة عليها بالنقاط السوداء وتدعى هذه الاقنعة بإسم domini وهذه الاقنعة بدورها دعيت كذلك بسبب شبهها بأكواخ القسس الفرنسيين الشتوية والتي تطلى من الخارج باللون الاسود ومن الداخل باللون الابيض وهذا له علاقة بالاصل اللاتيني لكلمة الـ Domino هو Dominus والتي تعني السيد Lord, Master.
من الممكن لعب العديد من الالعاب بإستعمال سيت من الدومينو أو أكثر، ولكن الاشهر على الاطلاق هي اللعبة الكلاسيكية والتي تبدأ بوضع الحجر الذي عليه الرقم 6 من الجانبين (دو شيش) في بداية اللعب ويبدأ باقي اللاعبين برمي أحجارهم حسب الارقام المفتوحة من الجانبين... ثم تأتي في المقام الثاني لعبة الازنيف (أعتقد أن أصلها من إيران أو تركيا) ، وهي أمتع نسبياً نتيجة لإستعمال المهارات الحسابية خلال اللعبة الكلاسيكية، فيقوم اللاعبون بتسجيل النقاط معتمدين على إحراز العدد خمسة أو إحدى مضاعفاته بجمع أربع أطراف أحجار الدومينو خلال اللعب.
أما اللعبة الاكثر شهرة عالمياً، فهي التي تحتاج الى مئات أحجار الدومينو، وهي التي تعطي المعنى المجازي لإستعمال كلمة دومينو بكل اللغات (كأن يقال مثلاً : تساقط الجميع واحداً واحداً كأحجار الدومينو )... تلك اللعبة المستندة على الحركة والمسافة والجاذبية الارضية.... ترتيب أحجار الدومينو بمهارة ومن ثم تحريك الحجر الاول فتتساقط الاحجار جميعها بطريقة فيزياوية مهيبة بالاستناد الى القوانين الثلاثة الاساسية في الفيزياء الحركية النيوتنية... ألا وهي :
- يظل الجسم على حالته الحركية ( إما السكون التام أو التحريك في خط مستقيم بسرعة ثابتة) ما لم تؤثر عليه قوة تغير من هذا الحالة .
- إذا أثرت قوة أو مجموعة قوى على جسم ما فإنها تكسبه تسارعاً ، يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة، ومعامل التناسب هو كتلة القصور الذاتي للجسم .
- لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار ومعاكس في الاتجاه.
وفي حالة الدومينو ، نجد أن القوانين الثلاثة تطبق بأفضل صورة ، فأحجار الدومينو المترتبة واحداً بعد الاخر هي في حالة سكون حتى يتغير ذلك عندما تسقط الاحجار (القانون 1) ، وبإستعمال مقدار كافي من القوة للتأثير على الحجر الاول من أحجار الدومينو ، يكتسب هذا الحجر تسارعاً حركياً ينتقل الى باقي الاحجار (القانون 2) وهذه الحركة هي رد فعل الحجر بالنسبة الى القوة المؤثرة عليه (القانون 3).
2
تتكون الاديان من معتقدات كثيرة ترتبط إحداها بالاخرى إرتباطاً وثيقاً نتيجة لذكرها في نفس الكتب البالية والتي تنسب لهذا الاله أو ذاك ، مما يوجب على المؤمنين بهذه الاديان التصديق بجميع هذه الجزئيات حتى يكون إيمانهم مقبولاً من هذا الاله أو ذاك. وهذا معناه كذلك أنه لو بطل أو اثبت عدم صحة إحدى هذه المعتقدات فإن هذا قد يؤدي بالنتيجة الى بطلان الباقي مما يجعل تركيبة هذه الاديان أشبه بأحجار الدومينو فإن سقطت أحدها سقط الباقي كنتيجة لذلك.
ولذلك ومنذ ظهور الاديان ، والسلطات الدينية بإختلاف معتقداتها لها وعي وتصور كامل لهذه الحقيقة والمخاطر المترتبة عن سقوط أحد احجار الدومينو، والدليل على ذلك محاولاتهم المستميتة للتعتيم العلمي والاعلامي لكل ما من شأنه أن يقوض أو يسقط إحدى أحجار الدومينو الكثيرة التي تشكل اركان هذه الاديان.
إن السلطات الدينية على إختلافها تعرف كذلك إن عدم سقوط إحدى أحجار الدومينو لا يعني أنها لن تسقط فيما بعد، ولكن إن سقطت، فستكون النتيجة سيئة بالنسبة لباقي الاحجار... ولإن السلطات الدينية تعلم كذلك أن أكثرية أحجار الدومينو تقف على ارض هشة جداً بسبب التطور العلمي والمعرفي المستمر وإن الهتهم المزعومة لم ولن تحرك ساكناً لإثبات مختلف الاقاصيص والاساطير التي روجوا لها في مختلف العصور، فإنهم يلجئون الى الكثير من الاساليب الملتوية والتي يمكن إختزالها في خمسة محاور رئيسية كما يلي:
- المحور الاول: "غسيل الادمغة": يشمل هذا المحور على فقرتين رئيسيتين الاولى هي الاعلام الديني المؤدلج (إغراق وسائل الاعلام المرئية، المسموعة ، المقروءة والانترنت بمختلف المواد الدينية والتفسيرات الاعجازية والعنعنات واللعنات ... كل حسب أجندته!)، والثانية هي التعتيم و التشويه الاعلامي لكل ما من شأنه التأثير أو حتى خلق نوع من التوازن مع الفقرة الاولى (كمثال على ذلك عدم تدريس بعض النظريات أو نشر أي كتاب أو منشور يناقش أو يعرض فكراً مختلفاً عن الميثولوجيا الالهية الربانية المنزلة من السماء بالبارشوت).
- المحور الثاني: " الارهاب الديني للدولة": هذا المحور أثبت فعاليته في البلدان ذات الحكومات الثيوقراطية والتي وصلت سدة الحكم بإستعمال الدين كوسيلة، وبعد ثباتها في الحكم بدأت بإستعمال مؤسسات الدولة كوسيلة لنشر الارهاب الديني (الشرطة الدينية أو هيئة الامر بالمعروف وحتى الجيش والشرطة إن تطلب الامر).
- المحور الثالث: " في الطريق اليكم : الاسلام هو الحل – إدعاء الحداثة والاعتدال لنشر التخلف والعودة الى الوراء" : في هذا المحور تحاول السلطة الدينية الوصول الى المحور الثاني عن طريق الانتخابات و كسب أصوات اكبر عدد من الناخبين (تحت اجندة: تمسكنوا حتى تتمكنوا)، وهنا لا يستطيعون لعب ورقة الارهاب الديني بعد... لذلك فإنهم يحاولون إظهار الدين بصورة حداثية معتدلة تتناقض مع جوهر هذا الدين و طبيعته العنصرية التسلطية لغرض كسب الاصوات من العامة المعتدلين منهم والمتطرفين وأحياناً حتى من الاقليات. وبعد الوصول الى سدة الحكم عينك ما تشوف إلا النور ! .. (الامثلة على هذا كثيرة في العالم العربي).
- المحور الرابع: " طابور الظل !" ، في البلدان التي تغلب عليها العلمانية ، او تواجه الاحزاب الدينية فيها ضغوطاً و تحديداً لنشاطاتها ، فإن السلطات الدينية تلجأ الى خلق جماعات ظلية من المتطرفين يتحركون خلال نسيج المجتمع ليخلقوا البلبلة متى ما إستطاعوا الى ذلك سبيلاً. هذه الجماعات يتم تكوينها عادة في حلقات الجوامع في المناطق الفقيرة ، وعادة ما يكون أفراد هذه الجماعات من الشباب المغرر بهم و الذين يمتلكون توجهات اصولية. والهدف هنا هو الوصول الى المحور الثالث عن طريق زيادة تعداد طابور الظل في إنتظار الانتخابات القادمة.
- المحور الخامس: "إستعمال طابور الظل في تعزيز الشعور بالذنب" – يعمل طابور الظل بعد إعداده الديني الاصولي على إشعار من حوله بالذنب والتقصير، (كأن يكون ذلك من خلال عدم التشجيع على أي نقاش من شأنه تقويض أي من الاركان الدومينوية التي تستند إليها الاديان)، أو الانتقاد الشديد المصحوب بتمثيل الشفقة والخوف على المقابل من أن يأثم ويقع في غياهب الكفر والزندقة ( مثلاً: إسطوانة إختاه إختاه المشروخة، أو لا تلبسوا كذا وإلبسوا كالسلف المالح ... الخ الخ ). والهدف هنا بالاضافة الى زيادة تعداد طابور الظل هو خلق البلبلات في المجتمع مما يعزز المحور الرابع و يمهد الطريق لباقي المحاور.
إن هذه المحاور الخمسة تعمل كذلك بنفس طريقة الدومينو ولكن بطريقة عكسية (إي إنها تعمل كقوة مضادة تحاول إبقاء أحجار الدومينو على وضعها السابق) ، والاجندة المقصودة من خلالها تختصر في نقطتين:
1- تعزيز دور السلطة الدينية في المجتمع والسياسة (و ضمان إستمرار ضخ الاموال الى جيوب الشيوخ والملتحين والسياسيين الدينيين :" رؤوس المافيا الدينية " ) من خلال إستعمال المحاور الخمسة سابقة الذكر.
2- تجنب سقوط أي من المفاهيم الدينية التي تكون الاديان ، لأن سقوط أحدها يعني سقوط البقية، وبالتالي سيؤثر ذلك على مركز وقوة ومصداقية السلطات الدينية المزعومة وبالتالي توقف التمويل المادي والمخصصات الالهية التي يرتزقون منها.
3
نجد مما سبق إن هناك الكثير من أحجار الدومينو التي تقف على أراض هشة، وسقوط أي منها يعني بالنتيجة سقوط الاخريات وبالتالي تقويض تسلط السلطة الدينية و زبانيتهم و أتباعهم وضحايهم من المغرر بهم.
إن تقويض السلطة الدينية وفضح أساليبها وكذبها وإستغلالها للناس و مقدراتهم غاية إنسانية عليا، والسبب في ذلك هو إن الاديان كانت وما زالت السبب الرئيسي والاكبر على مر العصور في فناء الجنس البشري و إبطاء تطوره الاجتماعي، النفسي ، الاقتصادي والتكنولوجي.
لذلك فإن إسقاط أي حجر من أحجار الدومينو ، سيساهم بشكل فعال في إضعاف توازن باقي الاحجار، فكيف يمكن فعل هذا؟؟ الجواب يكمن في بداية المقال: بإستعمال قوانين نيوتن ! تمعنوا في هذه القوانين الثلاثة ، وستعرفون ما أقصد وستجدون فيها الكثير مما يمكن فعله لتقويض السلطة الدينية و تسلطها العنصري الرجعي.
- يظل المتدينون على حالتهم العقلية و التسلطية ( إما السكون التام وترك الحال على ما هو عليه من تخلف ورجعية أو التحرك في خط مستقيم و بسرعة تسلطية ثابتة لغرض فرض مفاهيمهم على المجتمعات المعارضة ) ما لم تؤثر عليهم قوة تغير من هذا الحالة وتحاول إيقافهم ، وهذه القوة هي الرأي الاخر وفضح أكاذيب المدعوذين والسلطات الدينية.
- إذا أثرت قوة أو مجموعة قوى على السلطات الدينية ما فإنها تكسب هذه السلطات وأتباعهم ومناصريهم تسارعاً (هذا التسارع يؤدي الى قيام المتدينين بأعمال غبية تفضح توجاهتهم و أكاذيبهم)، هذا التسارع في إظهار رد الفعل يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة، ومعامل التناسب هو كتلة القصور الذاتي للنظام الديني (إن القصور الذاتي للدين كامن في حقيقة كونه يشبه الدومينو في تركيبه) .
- لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار ومعاكس في الاتجاه ، وهذا يعني في رأيي أن العالم العربي يعاني حالياً من عدم توازن في وضع المعلومات أمام الناس بشكل متوازن وعادل (يتم فرض االاكذوبة الدينية للتداول والتأوييل على حساب المعلومة الحقيقية) ، ولذلك فإن المطلوب هو إستعمال أي من وسائل الاعلام لعرض الاراء الاخرى لغرض حصول توازن معلوماتي.
تحياتي للجميع،
MHJ
هاي بن
ReplyDeleteمقاله علميه ممتازه وفعلا مبنيه على
الواقع و انعكاسه
بس ياترى هل من مجيب او سامع اتمنا منا نحن الملحدين ان نقف يد وا حده ونهدم احجار الدمينو واحداً بعد الأخر
regards ,
the chosen one
moubdi3 we jemil ke3adetik.
ReplyDeletea7santa vittechbihi ila ab3ad 7add.
moul7id min mouritanya
ايها الفاسق الزنديق
ReplyDeleteالدومينو ستصيب الملحدين من امثالك
ايها الفاسق الزنديق
ReplyDeleteالدومينو ستصيب الملحدين من امثالك
تحياتي إليك
ReplyDeleteبرغم غيابك الذي استمر مايقارب 3 أشهر
مقال رائع تشبيه النظم الدينية بلعبة الدومينو
كل ما أملكه لك هو تحياتي وسلامي وانحناءة تحية لك
لاحظت اهتمامك بالفلك والفيزياء ماهو مجال دراستك بالضبط؟ بالنسبة لي مدونتك أجمل من مدونة بن-رغم احترامي لها- ولكنك مقل..أرجو أن تكتب بصورة دورية لكي يسهل علينا متابعتك.. مقال جميل شكرا لك
ReplyDeleteتحياتي للجميع ،
ReplyDeletethe chosen one , لاتي , الباحث عن الحقيقة والانونينمس 12:52
شكراً على تواصلكم ومروركم وكلماتكم
بالنسبة لسؤال الانونيمس 12:52
إهتمامي لا ينحصر بعلم بحد ذاته ، أحب أن أتابع الاخبار سواء كانت علمية سياسية أو إجتماعية ، وفي حياتي المهنية درست ثلاثة إختصاصات تختلف كلياً عن بعضها (علمية بحتة وإنسانية بحتة)، ولكنني احاول التوفيق بينها في المجالات التي أعمل بها.
تحياتي
MHJ
صباح الخير MHJ
ReplyDeleteاسف أخطات باسمك حقك علي ياصديقي انا دائما افوت على المدونه التي تخصك بعدها اذهب لمدونة بن
لذاك اختلطت علي الامور
اتمنى ان تزيد من كتابتك ألاحظ انه لديك ميول للاتجاه العلمي واهتمام ورغبه بمعرفة الاخبار العلميه ومستجداتها وهذا ما جعلني متابع شديد لمدونتك من النادر ان تجد اناس مثلك خصوصا بدول العربان
في الختام أقول اكيدانه لايزال هنالك امل اناس مثلك ومثل بن وغيره
ينيرون الدرب اتمنى ان يكون لدي الشغف الكافي الذي لديكم للكتابه
ربما قريبا ربما
take care for now
thanks and regards ,
The chosen one
رائع يا عرب و الأنالوجي كان موفق و وددت أن أضيف علي الموضوع أن المسيحيين فهموا لعبة الدومينو و خطره و لذا فهم دائما ما يدعون إلي حوار الأديان، ففكرة أي دين من الديانات الثلاثة ممكن أن تتزعزع بدحض الدين الأخر. أي أن الأنالوجي لا يطبق فقط علي مفاهيم الدين الواحد بل يتعداه إلي بقية الأديان و العلاقة بينها
ReplyDeleteتحياتي
مشكلة العقلية الألحادية أنها لاتناقش أثبات وجود الذات الإلهية بطريقة موضوعية ومن خلال الاستماع إلى الرأي الاخر بعيدا عن أخطاء العنصر البشري الذي يكون موجودا في كل الفئات الدينية وغير الدينية لكونها تريد أن تنطلق في الحياة القصيرة بعيدا عن قيود التشريع الإلهي ولهذا فهم يطرحون رأيهم ويصمون أذانهم أو سمعهم عن الرأي الاخر
ReplyDelete