Sep 28, 2008

ليلة القبض على الله

ليلة القبض على الله

أو

The Génocidaire



-1-

الهروب


في زمن ليس بالبعيد وليس بالقريب ... زمن فيه ما يثير الشك و يريب ، لم تكن الامور كما يجب....

جاء يركض خائفاً ومرتبكاً ليغلق الباب وراءه والدماء تغطي ثيابه .... "ما الذي جعلني أفعل ذلك؟ " قال يسأل نفسه بذهول وهو يضرب الحائط بيديه الملطختين بالدماء..... " لا ... إن ما فعلته صحيح.... فهم يستحقون ذلك...نعم إنهم يستحقون ذلك ...." ، قال ذلك وهو ينظر الى نفسه في المرأة ... "لابد ان أتخلص من هذه الثياب بأي طريقة وإلا ستتم إدانتي بالتأكيد ...." قال ذلك أما ناسياً أو متناسياً أنه قد ترك وراءه من الادلة التي تدينه الكثير.... ولكن المجرم بطبعه مرتبك...


فجاءة.... صوت طرق على الباب وصوت يأمره بفتح الباب..." إفتح الباب بإسم القانون..." ، إرتبك ، تعثر و تلعثم ، هل يفتح لهم الباب أم لا ، ألم يكن عليه أن يسلم نفسه بملئ إرادته إلى السلطة العليا بدل أن تأتي السلطة باحثة عنه، " كلا لن يقبضوا علي .... سأهرب ... نعم سأهرب بعيداً عنهم.." ثم ركض متجهاً الى باب المنزل الخلفية ، فتحها ببطئ ليرى إن كان رجال القانون واقفين هناك أم لا .." قف مكانك ، أنت مقبوض عليك ومطلوب للتحقيق...." ، أغلق الباب بسرعة بوجه ضابط القانون الذي كان ينتظره عند الباب الخلفي للمنزل وعاد الى داخل المنزل بسرعة وهو يفكر بوسيلة إخرى للهرب ..." سطح الدار ، نعم سطح الدار ... هذا هو المخرج الوحيد من هذه المصيبة"....

صعد الدرجات الى سطح الدار راكضاً ، وهو يعلم أن رجال القانون لا يستطيعون أن يصلوا الى سطح الدار ، نظر متلصصاً الى الاسفل ، فتأكدت مخاوفه فالدار محاصر بعشرات رجال القانون الذين جاءوا يبحثون عنه ويلقون القبض عليه بعد جريمته الشنيعة ...

"لن تقبضوا علي أبداً..." قال في نفسه وكله إصرار على الهرب ، قفز في الهواء ليهبط على سطح الدار المجاورة ومنها الى الدار التي تجاورها بدون أن ينتبه اليه أحد ، حتى وصل الى شارع خلفي يبعد عن منزله ببضع مئات من الامتار...


-2-

لا مفر

أنتشرت قوات الامن في عموم المدينة باحثة عنه، فجريمته لا تغتفر ، ولم يقم أحد بمثلها من قبل، أوامر عليا صدرت بحقه ، وكتبت الجرائد عن عدم اتزانه النفسي والفكري، وبعضها الاخر كتب عن تفاصيل جريمته النكراء ، وطالب أخرون بسحب الالقاب التي حصل عليها والتي تمجده وتمنحه الحصانة وتجعله فوق القانون... وصفه أخرون بأنه أكبر مجرم عرفه التاريخ...

أستمر هو يركض بكل ما أوتي من قوة ليهرب من أصابع الاتهام التي تشير اليه في كل شارع يمر به ، فالجميع يعرفونه : فها هو اكبر المطلوبين للعدالة ، صوره في كل مكان ، وأخبار جريمته البشعة هزت أرجاء المدينة ، إحذروا هذا المجرم ... فهو قاتل مختل لم يعرف له العالم مثيلاً ...

كان يركض ويختبئ في كل زاوية مظلمة تمر به ، خلف كل مكب للنفايات يجده، لكنه لن يستطيع الفرار الى الابد ، فها هو صوت مروحيات الامن يقترب شيئاً فشيئاً.... وفجاءة جاء الصوت من السماء صارخاً به "توقف بإسم القانون..... المكان محاصر فلا تحاول الهرب..." كان ذلك الصوت صادراً عن مكبر للصوت في مروحية للامن ، تلفت يميناً وشمالاً ... ركض في حلقة مفرغة ... فكل طريق إعتقده مفراً كان مغلقاً ....



حاصره رجال الامن من كل جانب ، العشرات منهم ... أمسكوه ، طرحوه أرضاً بعنف وجعلوا يديه خلف ظهره وربطوها بالسلاسل والقيود ... بينما إستمر هو بالمقاومة ، إلا أنهم كانوا أقوى منه...




-3-

العدالة

"ما الذي ظننته حين إرتكبت جريمتك البشعة يا مجرم ؟" قال ضابط الامن موجهاً كلامه اليه ، بينما كان هو جالساً على الارض في زاوية الغرفة مطئطئاً رأسه ومتجنباً تلاقي عينيه مع عيني الضابط، ..." تكلم ، أجبني؟.... ما الذي قصرنا به معك ؟ .... " نظر اليه الضابط لبضع دقائق وهو ينتظر إجابة لسؤاله ... وعندما لم يجد إلا السكوت جواباً ، أدار ظهره وترك الغرفة وهو يهز رأسه بعدم رضى ، كما تفعل أم مسكينة خاب أملها في أبناءها فلم تجد وسيلة لتبدي خيبة أملها إلا أن تهز رأسها...






جلس في صمت لساعات وساعات ، والافكار تعصف برأسه... "لن يستطيعوا إدانتي بشيء ... وحتى لو إستطاعوا ... سأخبرهم بأنني كنت على حق ، لقد أعطوني حرية التصرف ، وقراري كان قراراً يقع في صلب عملي ومسؤلياتي... " وفجاءة فتح باب الغرفة التي كان يجلس فيها ليدخل منها عدد من الضباط ، أمره أحدهم قائلاً "أنهض"، نهض متثاقلاً وهو ينظر بإستعلاء الى الضابط الذي نهره...

أمسكه جنديان وإصطحبوه الى خارج قسم الامن ، حيث كانت قافلة من سيارات الشرطة في الانتظار ليصطحبوه الى حيث ستتم محاكمته ومسألته من قبل أعلى سلطة قانونية في المدينة....

-4-

المحاكمة

نظر اليه القاضي العجوز وهو يقف في قفص المتهمين وقال: " هل تعلم أن ما فعلته هو أكبر جريمة إبادة جماعية في تاريخ البشرية" ، لم يجب وأشاح بوجهه بعيداً لينظر بإستعلاء من النافذة، فإستطرد القاضي قائلاً " هل تعلم ما هو معنى الابادة الجماعية او الـ Genocide ؟* "

أستمر هو بالنظر بعيداً بدون أن يجيب، فقال القاضي : " سأخبرك أنا ما معنى الـ Genocide ، أولاً : قتل أي جماعة من البشر بقصد تصفيتهم الجسدية ، ثانياً: إصابة أي جماعة بشرية بأضرار نفسية أو معنوية ، ثالثاً: التعمد بالاضرار بالظروف المعيشية والموارد البشرية لأي جماعة من البشر والتسبب بالمعاناة بهدف تدميرهم كلاً أو جزءاً...... رابعاً :...." فجاءة صرخ الله قائلاً: "توقف ، هل تشير بأنني عملت كل هذا، أنا أنفي هذه التهم عن نفسي..." نظر اليه القاضي بهدوء وقائل : "نعم لقد فعلت كل هذا ، وإعترفت بأنك فعلت كل هذا أيضاً فما قولك ؟" ، فأجاب الله بكبرياء وعنجهية :" كلا أنا بريء ولم أفعل أي شيء من هذا القبيل"... بدأ صبر القاضي بالنفاذ وقال موجهاً كلامه للله :" إذا ما قولك في إعترافك بنفسك بأنك قتلت ملايين البشر متعمداً بعد أن اغرقتهم في لحظة غضب ؟، أليست هذه أكبر ابادة جماعية في التاريخ؟" أجاب الله " أقول أنني بريء من ذلك" فقال القاضي :" ولكنك أعترفت يا الله ؟" ، سكت هو ولم يجب... فإستطرد القاضي قائلاً:"ما قولك إن أخبرتك بأنك تفعل ذلك متعمداً ؟ وتصر على فعل الابادة في كل مرة ترسل بها إعصاراً او بركاناً او تسونامي ؟ فأنت تؤثر على الظروف المعيشية للجماعات البشرية وتتسبب بإبادتهم كلاً أو جزءاً ؟ " نظر الله الى القاضي بطريقة متكبرة وارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة وقال: "أنا حر ، أفعل ما أشاء..." ، فقال القاضي: "حر ؟ لقد قتلت ملايين البشر حسب اعترافتك ، وتسببت في أكبر الكوارث دموية التي عرفتها البشرية وتقول أنك حر ؟ ... أنت أكبر مرتكب للإبادة الجماعية عرفه التاريخ ، إن هتلر وصدام لم يفعلوا مثل ما فعلت ؟ وتقول أنك حر؟ وماذا عن الاضرار النفسية والمعنوية التي تسببها للذين يؤمنون بك ، وبعد ذلك ينتهي بهم الامر منتحرين أو مختلين نفسيين بلحى شعثة وعقول مريضة بشتى العقد النفسية؟" ، فقال الله :"تلك مشكلتهم هم ، لا مشكلتي أنا..." نظر اليه القاضي بحزن ، ثم اطرق رأسه مفكراً.... ثم سأله بصوت هاديء وببطء شديد: "هل لديك أقوال أخرى؟" هز الله رأسه بالنفي وأشاح بوجهه لينظر من النافذة مرة أخرى ....

بعد لحظات من الصمت رفع القاضي مطرقة العدالة في الهواء وهو يقول: "أحكم عليك بالاعدام لأرتكابك متعمداً أكبر جرائم الابادة الجماعية التي عرفتها البشرية على مدى تأريخها ، ولكونك اكبر مجرم عرفه التاريخ حتى اليوم" وأنزل القاضي مطرقته ليضرب بها الطاولة التي أمامه ويعلن عن أنتهاء الجلسة.




مع تحياتي

MHJ

هوامش :

*Genocide Convention , Article II, 1948

ملاحظة: لم انسى أن قصة "زغاليلو ونملة سولي" لم تنتهي بعد ، وأنا اعمل عليها وستكون جاهزة في وقت قريب.