Dec 6, 2008

المسمار



1977

"طق .. آخ .. طق .. آخ.. طق.. آخ"، "لا أعلم لماذا يحب بنو البشر طرق المسماير في الجدران بهذه القوة، لكن الذنب ليس ذنبهم، الذنب ذنب البشري الحقير الذي إخترع المطرقة... كم أود لو أقتله، فهو السبب في تعذيب معشر المسامير على مدى قرون من الزمن...."


لحظات من الصمت والتفكير العميق... "ولكن ربما كنت مخطئاً، أعتقد أن المطرقة أفضل وأقل ألماً من أن تطرق في الجدار بطابوقة، فعدد الطرقات بالمطرقة أقل من الطابوقة، وكذلك الطابوقة تظل تتفت على رأسي المسكين وتغطيني برذاذ قذارتها المستمر... نعم بعد التفكير أظن أن المطرقة أفضل بكثير من الطابوقة الوسخة"..... " ما هذا يا ترى؟؟؟"..... "ما هذا المستطيل الغريب الذي يحمله البشري بيديه ويقترب مني، أرجو ان لا يكون يقصد به شراً !!!.... هل يا ترى سيطرقني على رأسي بهذا المستطيل الغريب؟ ، ألم يشبعني هذا البشري الحقير طرقاً لحد الان؟ أف لقد زهقت من إضطهاد بني البشر لي ولباقي معشر المسامير...."

إقترب البشري من الجدار ولكنه ولدهشة المسمار لم يطرقه بالمستطيل... بل علق المستطيل بواسطة خيط في ظهره على صاحبنا المسمار.... والذي تنهد براحة سعيداً بعد أن فتح عينيه ليرى إن البشري لم يقصد به شراً هذه المرة ... فلم يطرقه على رأسه ثانيةً...

نظر حوله ليرى ما كان يحتويه المستطيل.. "ما هذا ، أه إنها صورة... ثلاثة من البشريات الجميلات... لا أعتقد انني امانع ثقل المستطيل المتعلق بوسطي إن كانت الصورة تحتوي على بشريات ساحرات بهذا الشكل..."




1983

"ماذا سنفعل الآن ؟" قال البشري لزوجته وهما يجلسان على الاريكة أمامي... لم اعلم عن ماذا كانا يتحدثان حتى قالت الزوجة: "هل تعتقد أننا يجب أن نضع الصورة كي نتجنب أي مشاكل قد تحدث؟"، أجاب الزوج: "نعم أظن ذلك، فلا نعلم ما الذي من الممكن أن يتحدث عنه الاطفال في المدرسة، فإن كان إبننا يتسائل لماذا ليس في بيتنا صورة للرئيس، فمن الافضل أن نضع واحدة كي نتجب أي إشكالات من الممكن أن تحصل..." وإستطرد الزوج قائلاً "ألم تسمعني عن بيت الاستاذ نعيم ، والذي لم يسمع عنه أحد منذ أن قبضت عليه الشرطة بسبب إينه الصغير الذي سمعه يتحدث بسوء عن الرئيس فذهب وأخبر أصدقاءه بالمدرسة بدون قصد، فأتت الشرطة وقبضت على الاستاذ نعيم في اليوم التالي مباشرة"... فقالت الزوجة "إذن من الافضل أن نجلب صورة للرئيس ونعلقها في البيت تجنباً للمشاكل.."

"وهذا ما كان، ففي اليوم التالي جاء البشري بمستطيل جديد يحتوي على صورة رجل غريب يرتدي الخضار وتحيط به الميكروفونات، وطبعاً لم امانع بأي شكل من الاشكال بأن يستبدل البشري صورة البشريات الثلاثة الساحرات بصورة الرجل المتشح بالخضار. فبعد كل شيء لا أملك الحق في الممانعة، فما زلت أنا مسماراً كما كنت وساكون دائماً .... مقيداً بالجدار...!"


1995

"ها قد مرت السنوات، وبدأ التأكل يصيب مفاصلي ويغطيها باللون الاحمر القرمزي بعد أن أخذ التأكسد مأخذه مني... سأغفو قليلاً... ولربما سأحلم بالجميلات الثلاث من الماضي البعيد..."

"إستيقظت فجاءة من قيلولتي، لأجد صاحب البيت ومعه شخص غريب بكرش كبير يتجول هنا وهناك ليثمن ما في البيت من أثاث... لم يترك شيئاً إلا ووضع له ثمناً، حتى صورة الرئيس المعلقة برقبتي منذ أكثر من إثنتي عشرة سنة... ما الذي يجري يا ترى؟"

قال صاحب البيت لسمسار الاثاث المستعمل: "أرجوك زد السعر قليلاً، فما ستدفعه لنا الان سيمكننا من شراء الطعام والعلاج لأشهر قليلة فقط... فأنت تعلم أن أسعار المواد الغذائية قد إرتفعت بشدة، والحياة أصبحت صعبة جداً بعد الحصار...."...

"لم أعد أسمع ما كانا يتحدثان عنه، فقد خرج الاثنان من الغرفة ليتركاني مع صديقي المعلق برقبتي بزيه المتشح بالخضار.... وفي اليوم التالي جاء السمسار بشاحنة نقل كبيرة وحمل جميع الاثاث من البيت ويتركني معلقاً بالجدار وحدي بعد أن أخذ حتى الصورة المعلقة برقبتي، وهكذا بقيت وحيداً في غرفة مملة خاوية "....


2006

"أخذ مني الصدأ والتأكل ما أخذ من حديد، وبعد أن كنت أسلي وحدتي بأصوات أصحاب البيت من حولي، أصبحت هذه الاصوات تتناقص بمرور الزمن حتى جاء يوم...." صمت المسمار للحظات وهو يراقب تساقط بعض غبار الصدأ الاحمر بعيداً لتظهر تحتها طبقة جديدة من الصدأ الحديدي المتأكسد... ثم إستطرد قائلاً " هرب أصحاب البيت، لا أعلم لماذا.... لكنهم هربوا وتركوني خلفهم... وبعد بضعة أيام جاء رجال مسلحون وإحتلوا البيت... وبعد أن كانت رقبتي خاوية ... علق أحد الرجال صورة جديدة على رقبتي"... "ما هذه يا ترى ، من هؤلاء الرجال الملتحين الذين يضعون المكياج؟... ما هذه الصورة الغبية الخالية من تناسق الالوان والاشكال... ليس لي أن أنتقد ذوق البشر الغريب في إختيار ما يضعونه على جدرانهم... فأنا مجرد مسمار مقيد بالجدار وكل ما أتمناه هو أن يقتلني الصدأ قريباً"


2007

"مر الوقت سريعاً، وإمتلئت الجدران بثقوب كثيرة تسببت بها طلقات الرصاص.. وجاء رجال مسلحون أخرون ليأخذوا مكان الذين قبلهم، ولكنني لم أستطع أن أفهم ما الفرق بين الرجال المسلحين الذين إحتلوا البيت وهؤلاء الرجال المسلحون الجدد.... ربما كان الفرق إنهم رفعوا صورة الرجال الثلاثة الذين يضعون المكياج وأحرقوها و وضعوا بدلاً منها صورة إخرى لم أفهم منها شيئاً ؟! ... فالصورة الجديدة تشبه سابقتها في عدم تناسق الالوان، وتكويناتها العنيفة .... أف... لقد زهقت بحق من الذوق البشري في إختيار ما يضعونه على جدرانهم، ولم أعد أستطيع النظر إلى ما يضعونه برقبتي كل يوم و أخر.... ولذلك قررت ومنذ هذه اللحظة بأن أنظر إلى سقف الغرفة ولن يثنيني عن ذلك شيئاً..."

"بقيت أنظر الى سقف الغرفة لشهور... وفي يوم من الايام... جلس الرجال المسلحون في الغرفة وهم ينظفون أسلحتهم المعدنية... والتي يصيبني الاسف حين أفكر بأنها صنعت من نفس المعدن الذي صنعت منه.... الحديد.... وفجاءة وفيما كان الرجال المسلحون الجدد يتفحصون بعض القنابل اليدوية ، سمعت صوت قطعة حديدة تسقط على الارض... تلاها صوت أحد الرجال وهو يصرخ قائلاً: "إجلبوا لي مسماراً بسرعة... أي مسمار" ... وفجاءة فقدت الوعي بعد سحبني احد الرجال من رأسي بواسطة أداة معدنية ......"

"إستيقظت وأنا احس بدوار حديدي قاتل وبضغط شديد على جميع مفاصلي المعدنية الصدئة ... ياللحظ العاثر ... من الحديد صنعت وإلى الحديد أعود.... لقد أصبحت مسمار أمان في قنبلة يدوية .... لكم أكره الحديد"....



إنتهت

القصة مهداة إلى الاصدقاء حامورابي، عباس هوازن و الزميل أثير العراقي والقاص ع. بدر. وكثيرون أخرون

تحياتي للجميع

MHJ

هوامش:

ملائكة تشارلي Charlie’s Angels : مسلسل تلفزيوني، أظهر المرأة في إحدى اولى المرات على شاشة التلفزيون على إنها محققة خاصة تعمل لوكالة تحقيقات ، وهو دور إمتاز به الرجال على شاشة التلفيزيون في فترة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي. بدأ عرض المسلسل على شبكة ABC التلفزيونية بين عامي 1976 و 1981 وكان أحد أشهر وأفضل المسلسلات التي عرضت في سبعينيات القرن الماضي وهو من تمثيل : كيت جاكسون ، فرح فاوست و جاكلين سميث.