Apr 27, 2009

Apr 15, 2009

دائرة

دائرة



قبل أن أبدأ، أود الاعتذار... أود الاعتذار لكل من كان وما زال يقرأ لما أكتب، ولكل من إستجد ليقرأ لما أكتب... أود الاعتذار عن التأخيروعدم التواصل.. أعتقد أن أصدقائي القدماء يعلمون أنني أتوقف كل بضعة شهور لأستعيد نشاطي أو لأن هناك تغيرات كبيرة تجري في حياتي أو حولي، وربما هذا هو سبب الانقطاع هذه المرة، فبعد أن إنتهيت من عمل دراسة الماستر خارج بلاد الرمال بدرجة إمتياز، إضطررت لقبول عرض عمل مغري مادياً في أحد مقاطعات بلاد الرمال اللامتناهية كان قد عرض علي من قبل مديري السابق والذي أكن له الكثير من التقدير. وهكذا عدت الى مقاطعة "قتل النسوان ستان" والتي كنت قد عملت فيها قبل أربعة أعوام لمدة ثلاثة اشهر، وتركت الحياة المتمدنة في أوروبا وصديقتي وشقتي الصغيرة ذات سخان المياه الذي يسرب المياه المختلطة بالكهرباء. على العموم، قد تبدو الصورة مظلمة بعض الشيء ، إلا ان الواقع هو العكس تماماً، فقد تعرفت على أصدقاء جدد من مختلف الجنسيات وصداقتهم لا تقدر بثمن، كما تعرفت بشريكة حياتي، وعشت كما تمنيت العيش.... عشت وأحسست بالتمدن ... أحسست بالتمدن لإنني كنت ببساطة أستطيع التعبير على رأيي وأفكاري، عشت بتمدن لأنني كنت أقف بالصف في السوبرماركت أو أي مكان أخر من دون أن يقفز أحدهم ليضرب الصف كي يقف في غير مكانه (صدقوني... منذ أن وصلت الى "قتل النسوان ستان" وانا اعاني من هذه المشكلة... الوقوف في الدور.... في معظم الاحيان، ينتهي الامر بي واقفاً كالتمثال في الوسط، وكل من حولي يقفزون كالقرود (مع إحترامي لآجدادي الاوائل، والذين تخلفنا عنهم بسبب سرعة حركتهم) كي يسبقوا غيرهم وكأن القيامة ستقوم بعد ثلاثة عشر دقيقة وخمس وأربعين ثانية وثلاثة أجزاء الثانية. لن اطيل الحديث عليكم وسأدخل إلى الفكرة التي أعادتني إليكم ألا وهي الدائرة...


لم أفكر في الامر من قبل... دائرة... إسم سخيف بكل اللغات... فهو لا يعبر بأي شكل من الاشكال عن هذا الشكل البليغ... هذا الشكل الذي إرتبط بتطور البشرية في شتى المجالات بصورة عامة، وكمثال على ذلك: قولنا " عجلة التقدم" .... و ما أبعدنا عنها ... أو ربما كانت قد مرت علينا ونحن في سبات نومنا القديم... قد تقولون ما بال هذا المجنون عائد لنا ليتغزل في دائرة...... صدقوني، فكروا وستجدونني على حق.... فكل شيئ عبارة عن دائرة... أما للوهلة الاولى أو بعدها ببرهة ... رغم إنه لا يبدو كذلك.



كره الرب الدائرة ... فسَطُحَ الارض وجعل فيها رواسيه لتحمل سماءه ونجومه كي يتسلى بها عرب الصحراء ... كرهتها الكنسية على مدى العصور وقتلت من العلماء ما قتلت... لأنهم قالوا أن الارض والكون دائرة... أو "إهليج" ( هل رأيتم أسخف من هكذا كلمة... أوبس .... أسف ... نعم فإن هناك كلمات أسخف قد مرت علينا وحاولنا فك طلاسمها... وأقصد هنا كلمات عطاس صلعم (مع إعتذاري للمدون أخي وصديقي صلعم الشارقة العزيز) والتي سجلها منه مدونوا ذلك الزمان وامثلة ذلك: كهيعص (مريم)، طس (النمل) ومفضلتي الازلية : قَمْطَرِيراً (الانسان)... على كلٍ، كل هذا لا يفقد الدائرة اي من قيمها البشرية أو خداماتها للإنسانية ، كلكم يعرف ما أعني هنا: عجلة التقدم إياها... بدأً بحضارة سومر مروراً بالفراعنة، وليس إنتهاءاً بكل منتج تستعملونه في هذه اللحظة. فكل شيء يمر بخطوط الانتاج... وكل شيء بالنتيجة ، تنتجه دائرة.... فعلوم الهندسة في بدأها تستند الى دائرة.... وكل شكل منتظم تحتويه دائرة... حتى الالكترونيك والكهرباء ....فهما في أخر المطاف دائرة... دائرة لابد أن تكتمل..... كي يصبح لها معنى.... وكل شيء ذو معنى مكروه، فالخرافة دائرتنا التي لا تنتهي.

كم أتمنى لو كنت أعيش في مصر الفراعنة ... حينها قد أكون عابداً مخلصاً لرع... إله الشمس ... دائرة.... شكل يستحق العبادة والتبجيل بحق...

كنت أتصفح بعض الزخارف الاسلامية على النت... فوجدت معظمها ، اما مستنداً في إساسه الى الدائرة..... أو من الممكن إحتوائه في داخل دائرة....


وما أشبه الزخارف الاسلامية بالهالات المضيئة التي تطفو ببلاهة فوق رؤوس القديسين المسيحيين في كل كنيسة جميلة المعمار كنت قد زرتها (وقد زرت الكثير منها ودرست معمارها وفنونها)، أو بيسوع المسيح وأمه مريم بدوائرها الثلاثة (لربما كانت أربع؟) في كل لوحة رأيتها في حلي وترحالي في متاحف الدنيا.


دائرة.. الدنيا تدور كل يوم وكل سنة.... فيزياء الكون ... تلك التي يرفضها رب الرمال ويسوع.... والتي ربما لم يرفضها الفراعنة و السومريون والبابليون .... دائرة ، لا يرفضها كل إلهة الهندو والبوذية والتي يعبدها الملايين رغم إنهم لا يلاحضون، فكل من ألهتهم يمكن إحتوائه في دائرة...


دائرة .... التاريخ يدور في دوائر... تبدأ في نقطة وتنتهي في نفس النقطة.... إنها نقطة صفر تلك الدائرة...... حضارات، ديانات وأمم..... لا تعدو أن تكون أكثر من دائرة.... تبدأ وتنتهي من حيث بدأت.... وتدور لتبدأ كما بدأت غيرها..... وهكذا بقيت الدوائر وسيلتي الاولى والاخيرة التي أرى بها مستقبل و مآل الامم والشعوب.... هل أكرهها أم أحبها ... اصدقكم القول .... لا أعلم .... إلا أنني أعلم أنها تخفي المزيد.
تحياتي
MHJ